كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واختلفوا فيما يتزيّن به للحرب، فقال الأوزاعيّ: ذلك كله من السلب.
وقالت فرقة: ليس من السلب.
وهذا مروِيّ عن سُحنون رحمه الله؛ إلا المنطقة فإنها عنده من السلب.
وقال ابن حبيب في الواضحة: والسّواران من السلب.
الثامنة قوله تعالى: {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} قال أبو عبيد: هذا ناسخ لقوله عز وجل في أوّل السورة {قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول} ولم يخمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بدر، فنسخ حكمه في ترك التخميس بهذا.
إلا أنه يظهر من قول عليّ رضي الله عنه في صحيح مسلم: كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بَدْر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارِفًا من الخمس يومئذ الحديث أنه خمّس؛ فإن كان هذا فقولُ أبي عبيد مردودٌ.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون الخمس الذي ذكر عليّ من إحدى الغزوات التي كانت بين بدر وأحد؛ فقد كانت غزوة بني سليم وغزوة بني المُصْطَلِق وغزوة ذي أَمَر وغزوة بُحران، ولم يُحفظ فيها قتال، ولكن يمكن أن غُنمت غنائم.
والله أعلم.
قلت: وهذا التأويل يرده قول عليّ يومئذ، وذلك إشارة إلى يوم قسم غنائم بدر؛ إلا أنه يحتمل أن يكون من الخمس إن كان لم يقع في بدر تخميس، من خمس سَرِيّة عبد الله بن جَحْش فإنها أوّل غنيمة غنمت في الإسلام، وأوّل خمس كان في الإسلام؛ ثم نزل القرآن {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} وهذا أولى من التأويل الأوّل.
والله أعلم.
التاسعة ما في قوله: {مَآغَنِمْتُمْ} بمعنى الذي، والهاء محذوفة؛ أي الذي غنمتموه.
ودخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة.
وأَنَّ الثانية توكيد للأولى، ويجوز كسرها، ورُوي عن أبي عمرو.
قال الحسن: هذا مفتاح كلام، الدنيا والآخرة لله؛ ذكره النَّسائي.
واستفتح عز وجل الكلام في الفيء والخمس بذكر نفسه؛ لأنهما أشرف الكسب، ولم ينسب الصدقة إليه لأنها أوساخ الناس.
العاشرة واختلف العلماء في كيفية قسم الخُمس على أقوال ستة:
الأوّل قالت طائفة: يقسم الخمس على ستة؛ فيُجعل السدس للكعبة، وهو الذي لله.
والثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثالث لذوي القربى.
والرابع لليتامى.
والخامس للمساكين.
والسادس لابن السبيل.
وقال بعض أصحاب هذا القول: يردُ السهم الذي لله على ذوي الحاجة.
الثاني قال أبو العالية والرّبيع: تقسم الغنيمة على خمسة، فيعزل منها سهم واحد، وتقسم الأربعة على الناس، ثم يضرب بيده على السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، ثم يقسم بقيّة السهم الذي عزله على خمسة، سهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وسهم لذوِي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
الثالث قال المِنهال بن عمرو: سألت عبد الله بن محمد ابن عليّ وعلي بن الحسين عن الخمس فقال: هو لنا.
قلت لعليّ: إن الله تعالى يقول: {واليتامى والمساكين وابن السبيل} [البقرة: 177] فقال: أيتامنا ومساكيننا.
الرابع قال الشافعيّ: يقسم على خمسة.
ورأى أن سهم الله ورسولهِ واحد، وأنه يصرف في مصالح المؤمنين، والأربعة الأخماس على الأربعة الأصناف المذكورين في الآية.
الخامس قال أبو حنيفة: يقسم على ثلاثة: اليتامى والمساكين وابن السبيل.
وارتفع عنده حكم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته؛ كما ارتفع حكم سهمه.
قالوا: ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر، وبناء المساجد، وأرزاق القضاة والجند.
وروي نحو هذا عن الشافعيّ أيضًا.
السادس قال مالك: هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده؛ فيأخذ منه من غير تقدير، ويعطي منه القرابة باجتهاد ويصرف الباقي في مصالح المسلمين.
وبه قال الخلفاء الأربعة، وبه عملوا.
وعليه يدلّ قوله صلى الله عليه وسلم: «ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم» فإنه لم يَقسمه أخماسًا ولا أثلاثًا، وإنما ذكر في الآية من ذكر على وجه التنبيه عليهم؛ لأنهم من أهمّ مَن يدفع إليه.
قال الزجاج محتجًّا لمالك: قال الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل} [البقرة: 215] وللرجل جائز بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك.
وذكر النَّسائي عن عطاء قال: خمسُ الله وخمس رسوله واحد، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل منه ويعطي منه ويضعه حيث شاء ويصنع به ما شاء.
الحادية عشرة قوله تعالى: {وَلِذِي القربى} ليست اللام لبيان الاستحقاق والملْك، وإنما هي لبيان المصْرِف والمحل.
والدليل عليه ما رواه مسلم أن الفضل بن عباس وربيعة بن عبد المطلب أتيا النبيّ صلى الله عليه وسلم، فتكلم أحدهما فقال: يا رسول الله، أنت أبرّ الناس، وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدّي إليك كما يؤدِّي الناس، ونصيبَ كما يصيبون.
فسكت طويلًا حتى أردنا أن نكلّمه، قال: وجعلت زينب تُلْمِع إلينا من وراء الحجاب ألاَّ تكلِّماه، قال: ثم قال: «إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ادعوا لي مَحْمِيَةَ وكان على الخُمْس ونَوْفَل بنَ الحارث بن عبد المطلب» قال: فجاءاه فقال لمَحْمية: «أَنْكِحْ هذا الغلام ابنتك» للفضل بن عباس فأنكحه.
وقال لنوفل بن الحارث: «أنْكِح هذا الغلامَ ابنتك» يعني ربيعة بن عبد المطلب.
وقال لمَحْميَة: «أَصْدِق عنهما من الخمس كذا وكذا».
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم» وقد أعطى جميعه وبعضه، وأعطى منه المؤلّفة قلوبهم، وليس ممن ذكرهم الله في التقسيم؛ فدلّ على ما ذكرناه، والموفق الإله.
الثانية عشرة واختلف العلماء في ذوِي القربى على ثلاثة أقوال: قريش كلها؛ قاله بعض السلف، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما صعِد الصّفا جعل يهتف: «يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب يا بني كعب يا بني مُرّة يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار» الحديث.
وسيأتي في الشعراء.
وقال الشافعيّ وأحمد وأبو ثَوْر ومجاهد وقتادة وابن جُريج ومسلم بن خالد: بنو هاشم وبنو عبد المطلب؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذوى القُرْبى بين بني هاشم وبني عبد المطلب قال: «إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام إنما بنو هاشم وبنو المطَّلب شيء واحد» وشبّك بين أصابعه؛ أخرجه النسائيّ والبخاريّ.
قال البخاريّ: قال الليث حدثني يونس، وزاد: ولم يَقْسم النبيّ صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نَوْفل شيئًا.
قال ابن إسحاق: وعبد شمس وهاشم والمطّلب إخوةٌ لأُمّ، وأُمّهم عاتكة بنت مُرّة.
وكان نوفل أخاهم لأبيهم.
قال النَّسائيّ: وأسهم النبيّ صلى الله عليه وسلم لذوي القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، بينهم الغني والفقير.
وقد قيل: إنه للفقير منهم دون الغنيّ؛ كاليتامى وابن السبيل وهو أشبه القولين بالصواب عندي.
والله أعلم والصغير والكبير والذكر والأُنثى سواء؛ لأن الله تعالى جعل ذلك لهم، وقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم.
وليس في الحديث أنه فضّل بعضهم على بعض.
الثالث بنو هاشم خاصة؛ قاله مجاهد وعليّ بن الحسين.
وهو قول مالك والثَّوريّ والأوزاعِيّ وغيرهم.
الثالثة عشرة لما بيّن الله عز وجل حكم الخمس وسكت عن الأربعة الأخماس، دلّ ذلك على أنها ملك للغانمين.
وبيّن النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «وأيّما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله ثم هي لكم».
وهذا ما لا خلاف فيه بين الأُمة ولا بين الأئمة؛ على ما حكاه ابن العربي في (أحكامه) وغيره.
بَيْدَ أن الإمام إن رأى أن يَمُنّ على الأسارى بالإطلاق فعل، وبطلت حقوق الغانمين فيهم؛ كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم بثُمامة بن أُثال وغيره، وقال: «لو كان المُطْعِم بن عِدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النَّتْنَى يعني أسارى بدر لتركتهم له». أخرجه البخاريّ.
مكافأةً له لقيامه في شأن نَقْض الصحيفة.
وله أن يقتل جميعَهم؛ وقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عُقْبة بن أبي مُعَيط من بين الأسرى صَبْرًا، وكذلك النضر بن الحارث قتله بالصفراء صَبْرًا، وهذا ما لا خلاف فيه.
وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم كسهم الغانمين، حضر أو غاب.
وسهم الصَّفِيّ، يصطفي سيفًا أو سهمًا أو خادمًا أو دابة.
وكانت صَفِيَّة بنت حُيَيّ من الصَّفِيّ من غنائم خَيْبر.
وكذلك ذو الفُقَار كان من الصَّفِيّ.
وقد انقطع بموته؛ إلا عند أبي ثَوْر فإنه رآه باقيًا للإمام يجعله مجعل سهم النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وكانت الحكمة في ذلك أن أهل الجاهلية كانوا يرون للرئيس ربع الغنيمة.
قال شاعرهم:
لك المرْباع منها والصّفايا ** وحُكْمُك والنّشِيطةُ والفُضول

وقال آخر:
مِنَّا الذي رَبَع الجيوش، لصُلبه ** عشرون وهو يُعَدّ في الأحياء

يقال: رَبَع الجيشَ يَرْبَعه رَباعة إذا أخذ رُبع الغنيمة.
قال الأصمعيّ: رَبَع في الجاهلية وخَمّس في الإسلام؛ فكان يأخذ بغير شرع ولا دِين الربع من الغنيمة، ويصطفي منها، ثم يتحكّم بعدَ الصَّفِيّ في أي شيء أراد، وكان ما شذّ منها وما فضل من خُرثيّ ومتاعٍ له.
فأحكم الله سبحانه الدِّين بقوله: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41].
وأبقى سهم الصّفِيّ لنبيّه صلى الله عليه وسلم وأسقط حكم الجاهلية.
وقال عامر الشّعْبيّ: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم يُدعَى الصَّفِيّ إن شاء عبدًا أو أَمة أو فرسًا يختاره قبل الخمس؛ أخرجه أبو داود.
وفي حديث أبي هريرة قال: فيلقى العبد فيقول: «أيْ فُلْ ألم أكرِمْكَ وأسَوِّدك وأزوّجْك وأسَخّرْ لك الخيل والإبل وأذَرْك تَرْأَس وتَرْبَع» الحديث. أخرجه مسلم.
«تربع» بالباء الموحّدة من تحتها: تأخذ المِرباع، أي الربع مما يحصل لقومك من الغنائم والكسب.
وقد ذهب بعض أصحاب الشافعيّ رضي الله عنه إلى أن خمس الخمس كان للنبيّ صلى الله عليه وسلم يصرفه في كفاية أولاده ونسائه، ويدخّر من ذلك قوت سنته، ويصرف الباقي في الكُراع والسلاح.
وهذا يردّه ما رواه عمر قال: كانت أموال بني النَّضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يُوجِف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّة، فكان ينفق على نفسه منها قوت سنة، وما بقي جعله في الكُراع والسلاح عدّة في سبيل الله. أخرجه مسلم.
وقال: «والخمس مردود عليكم».
الرابعة عشرة ليس في كتاب الله تعالى دلالة على تفضيل الفارس على الراجل، بل فيه أنهم سواء؛ لأن الله تعالى جعل الأربعة أخماس لهم ولم يَخُص راجلًا من فارس.
ولولا الأخبار الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم لكان الفارس كالراجل، والعبد كالحرّ، والصبيّ كالبالغ.
وقد اختلف العلماء في قسمة الأربعة الأخماس؛ فالذي عليه عامّة أهل العلم فيما ذكر ابن المنذر أنه يُسْهم للفارس سهمان، وللراجل سهم.
وممن قال ذلك مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة.